الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية اسـتـقـلال تـونـس: «قـصـة كـفـاح وفـخـر»

نشر في  20 مارس 2016  (15:44)

ككل سنة، تحتفل تونس في 20 مارس بذكرى عيد الاستقلال كمناسبة للوقوف عند تضحيات رجالات من زمن الكفاح واستحضار محطات هامة من تاريخ البلاد.

في الواقع لا يمكن أن نتحدث بشاعرية عن أي موضوع في ظل الظروف السياسية والأمنية التي ألقت بظلالها على البلاد، إلا أن الاستقلال واستحضار معانيه من مقاومة ونصر لا يمكن الحديث عنها إلا في إطار شعور بالفخر والولاء لجيل من الوطنيين والأبطال الحقيقيين الذين كتبو «قصة كفاح وفخر» أبطالها عظماء وأحداثها ملحمية.

فلنا أن نتخيل تلك المرحلة والظروف غير الإعتيادية التي كانت تعيش تحتها البلاد، من استعمار محكم ونوايا مبيتة للتقسيم والترحيل والتعمير...

وفي المقابل، وبفضل استبسال المقاومين الوطنيين وقوافل الشهداء، بات من المعلوم لسلطات الاستعمار الفرنسي أن بقاء الحال من المحال.

ذكرى الإستقلال، محطة متميزة في تاريخ بلادنا الحديث، تستدعي الوقوف عندها، وإن كانت محفوفة بالكثير من الإشكاليات بخصوص بعض الجوانب التاريخية منها، حيث أطلقت العنان لأقلام المؤرخين والنقّاد للبحث فيها والغوص في تفاصيلها العميقة.

لعلّ أبرز موضوع أثار سيلا من النقاش مسألة الاستقلال الداخلي سيّما أنها كادت تعصف بما حققته البلاد بعد سنين بل عقود من الكفاح والتضحية. بادئ ذي بدئ، نستعرض مسيرة الشعب التونسي نحو الإستقلال، لنقف إثر ذلك على مسألة الإستقلال الداخلي وما أثارته من نعرات وجدل كبيرين، وصولا للإستقلال التام لتونس والوقوف عند معانيه والإحتفاء برجالاته وبهذا الوطن.

منذ سنة 1881، تحوّلت «الحماية الفرنسية» بشكل تدريجي لاستعمار مباشر نُهبت خلاله ثروات البلاد، واستشهد العديد من أبناء هذا الوطن على مرّ السنين تمكّنت خلالها السلطات الاستعمارية الفرنسية من إخماد كل أشكال المقاومة معتمدة سياسة الإغتيال والإعتقال والنفي... لكن هذا لم يفني إرادة هذا الشعب الطامح نحو التحرر وكسر قيود الإستعمار مؤمنا بأن الليل سينجلي وبأن القيد سينكسر.

فتجسد حرصه هذا وتوقه لنيل الاستقلال في ملاحم تاريخية لعلّ أهمها أحداث الزلاّج أو أحداث 8 و9 أفريل وكذلك عدّة محطات وطنية تاريخية عبّرت عن الرغبة الملّحة في التحرر والإنعتاق.

تعززت هذه المسيرة بالثورة المسلحة 1952-1954 التي تعتبر مرحلة حاسمة في تاريخ الحراك الوطني، لتضع فرنسا وحكومتها أمام الأمر الواقع أن بقاء الحال من المُحال، خاصة بعد ما لحقها من نكسات عسكرية في ذاك الوقت واثر هزيمتها النكراء في الهند الصينية 1954.

لتنطلق بذلك المفاوضات بشأن منح تونس استقلالها الداخلي، وذلك بعد وصول «منداس فرانس» لرئاسة الحكومة الفرنسية، في اطار سعيه للخروج بفرنسا من المأزق الذي وقت به جيوشها بتونس على اثر المقاومة والحراك الوطني المسلح لأبناء الشعب التونسي.

فوقع في 31 جويلية 1954 الإعلان عن الاستقلال الداخلي للبلاد التونسية. غير أن هذا القرار لم تتقبّله القيادات الوطنية آنذاك بنفس الدرجة، ليخلق ذلك انشقاقا خطيرا كاد أن يعصف بأشواط من الكفاح والتضحيات والشهادة على مر عقود من الزمان.

اتجّه «الحبيب بورقيبة» آنذاك إلى اعتبار الاستقلال الداخلي خطوة هامة يجب كسبها والبناء عليها لنيل الاستقلال التام، ذلك أن لرجل سياسة المراحل حساباته وقراءته الخاصة التي حسم التاريخ فيما بعد الكفّة لصالحها مثبتا نجاعتها وفاعليتها.

وفي المقابل عارض «صالح بن يوسف» الاستقلال الداخلي واعتبره لا قيمة له وخطوة للوراء، ونادى بضرورة الكفاح من أجل تحرير لا تونس فقط بل كامل دول العالم المغاربي والعربي، مؤسسا لفكره القومي أنذاك..

يرى البعض من المؤرخين أن هذا التعارض له خفايا أخرى تبلورت في «صراع زعامة» لا أكثر ولا يزال يطرح تساؤلات وجدل تاريخي، وأنه كان سببا لظهور بوادر أزمة حقيقية بين أبناء الشعب الواقع، وذلك ما حصل، لينال اثر ذلك «الحبيب بورقيبة» ثقة شعبه، ليقع تأسيس حكومة تفاوض جديدة يوم 17 سبتمبر 1955.

بعد مفاوضات مضنيّة توصّل الطرفين؛ حكومة التفاوض التونسية وحكومة باريس للإتفاق على إعلان الاستقلال التام البلاد التونسية يوم 20 مارس 1956.

قد يعيب البعض التطرق إلى بعض النكسات التاريخية أو الخيبات الوطنية التي لقاها أبناء شعبنا في مسيرته نحو الاستقلال، ضمن هذا الاطار، الذي يعتبره البعض احتفاليا، لكن ما جاء في هذا العرض التاريخي الموجز يؤكد على أن طريق الاستقلال لم يكن محفوفا بالورود، لذلك فالحديث عن الاستقلال لا يجب أن نغفل في اطاره عن الصعوبات والتضحيات الجبّارة لأجيال من الرجالات الوطنيين الذين روت دماؤهم الطاهرة الزكية أرض تونس، فأنبتت حراكا فكفاحا، فأزهر الاستقلال التام للبلاد والانعتقاق والتحرر.

أرى معاني الاستقلال وعظمتها قد لاحت في «راية الوطن»، فاللون الأحمر الذي يغطي أجزاءً كبيرة منه، ماهو الا تجسيد لتلك الدماء الطاهرة لشهداء الحراك الوطني، الذين اختاروا طريق الكفاح والتضحية والشهادة في سبيل تحرير هذا الوطن، من أجل بقائه واستمراريته إلى يومنا هذا.

ذكرى الاستقلال، لا يجب أن تستخلص في عقول شباب اليوم والجيل الصاعد في مجرّد يوم عطلة متناسين عظمته وتاريخيته، لابد أن تسرد فيه «قصة كفاح وفخر» لأبطال تونس، وأن نعزز من الحس الوطني لدى شعبنا بكل فئاته باستحضار مثل هذه المحطات التاريخية المتميزة، رغم كيد الحاقدين الذين يتربصون بالبلاد وأمنها واستمراريتها.

ختاما، جميل أن يكون لك وطن، وما أجمل أن يكون وطنك «تونس»، تونس قصة «كفاح وفخر» كُتبت على هذه الأرض التي رواها أبناؤها من دمائهم بدل الماء ورفعوا رايتها بين الأمم عاليا في السماء...

*بقلم : سيف الدين عريبي طالب بكلية الحقوق والعلوم السياسية تونس المنار